هو العلامة المحدث إبراهيم بن محمد بن الصِّدِّيق بن أحمد بن محمد بن قاسم بن محمد بن محمد بن عبد المؤمن الحسني الإدريسي المُومني الغُماري التُّجْكاني الطَّنجي.
المطلب الثاني نسبه:
يرجع نسب أسرته إلى الشرفاء الأدارسة الحسنيين، الذين هاجروا من الأندلس في أواخر القرن الخامس الهجري، ونزلوا بأحواز تلمسان بقبيلة بني يزناسن بالريف الشرقي، ثم انتقل أحد أحفاد هذه الأسرة ـ وهو سيدي عبد المؤمن الصغير ـ إلى قبيلة غُمارة أواسط القرن العاشر الهجري، وبالضبط في قبيلة بني منْصُور الغمارية ، في موضع قرية تسمى تُجْكان التي اتخذها دارا ومنزلا، وبنى فيها زاويته، ثم انتقل بعد ذلك والده محمد بن الصديق ليستقر في مدينة طنجة عام 1319هـ.
المطلب الثالث: أسرته.
اشتهرت الأسرة الصدِّيقية بالعلم والاستقامة والديانة والصلاح، وهي إحدى البيوتات الكبرى بشمال المغرب التي تسلسل فيها علم الحديث والعناية به، حيث توارثوه كابراً عن كابر، وكان لهذه الأسرة المباركة دور كبير في النهضة الحديثية بالمغرب الأقصى في القرن العشرين.
وممن نبغ في هذه الأسرة المباركة ـ خاصة في علم الحديث رواية ودراية ـ ثلاثة أفراد:
1 ـ الحافظ العلامة أبو الفيض أحمد بن محمد بن الصديق الغماري (1380هـ): وهو عميد الأسرة الصديقية، كان كبير علماء الحديث بالمغرب، لا يوجد من يماثله ولا من ينازعه، درس العلم بالأزهر وهو شاب يافع، وكان شيوخه الأزهريين يرجعون إليه، ويعتمدون قوله في التصحيح والتضعيف، ويعد في مصاف العلماء المجتهدين في علم الحديث وعلله، ألف تآليف في الحديث وعلومه تجاوزت المائة كتاب، أشهرها وأضخمها: المداوي لعلل الجامع وشرح المناوي، طبع في ستة أسفار.([6])
2 ـ الحافظ العلامة عبد الله بن الصديق الغماري (1413هـ): علامة مشارك في العلوم العقلية والنقلية، وكان مرجعا في علوم الحديث، له مؤلفات ورسائل في غاية النفاسة في الحديث وعلومه.
3 ـ العلامة الحافظ عبد العزيز بن الصديق الغماري (1418هـ): درس بالأزهر مع إخوته، ومكث هناك اثني عشر عاما، له مؤلفات في الحديث وعلومه.
المطلب الرابع: ولادته.
ولد العلامة إبراهيم بن الصديق الغماري بثغر مدينة طنجة في 17 رجب 1354هـ الموافق لشهر أكتوبر عام 1935م.([7])
المطلب الخامس: نشأته وطلبه للعلم.
نشأ مترجمنا يتيما حيث توفي عنه والده محمد بن الصديق رحمه الله وعمره آنذاك لم يتجاوز شهرين ونصف، لكن الجو العلمي الذي نشأ فيه بين إخوة علماء نبغاء، ساعده على تلمس مصادر العلم والمعرفة، والتنقل بينها بشغف ونهم مما أنساه مرارة اليتم، فعاش تحت كفالة أخيه الأكبر حافظ المغرب أبي الفيض أحمد بن الصديق، الذي غمره بالحب والرعاية التربية ، فأدخله الكتاب في سن الست سنين، فختم القرآن وأتم حفظه كاملا على كل من الفقيهين: السعيد الحوزي ، والعلمي شابو القصيمي ، ثم تلقى على إخوته مبادئ العلوم، كما درس على أعلام طنجة.
المطلب السادس: رحلته ودراسته ومشيخته.
بعدما تفتقت مدارك الطالب النجيب ابراهيم بن الصديق رغب في المزيد فشد الرحال إلى قلعة العلم وكعبة العلماء بالمغرب جامعة القرويين بفاس، التي نهل من حياضها، وأخذ عن أعلامها، لكن لم يقض نهمته ولم يشف غلته بعد، فعزم على الرحلة إلى الديار المصرية، في فبراير سنة 1958 م حيث حلَّ طالبا بالأزهر الشريف، فلازم أعلامها وعلى رأسهم: أخيه الحافظ أحمد بن الصديق الغماري الذي كان عمدته في الحديث، كما أخذ عن غيره من علماء الأزهر الشريف، وبعد وفاة أخيه أحمد عام 1380 هـ ، عزم على الرحلة إلى بلاد الرافدين للقيا الشيوخ، والأخذ عن الأعلام العراقيين سنة 1961م، فانتسب لكلية الشريعة لمدة سنة واحدة، وبعد هذه الرحلة الطويلة رجع إلى بلاده المغرب، فالتحق بكلية الشريعة بفاس عام 1965م، وتخرج منها، ثم عين أستاذا للغة العربية بالقصر الكبير، ثم بعد ذلك التحق طالبا بدار الحديث الحسنية سنة 1966م وحصَّل بها دبلوم الدراسات العليا سنة 1975م في موضوع “الجرح والتعديل في المدرسة المغربية ” تحت إشراف الأستاذ علال الفاسي ، ثم نال درجة الدكتوراه من نفس الدار سنة 1985 م في موضوع : “علم علل الحديث من خلال كتاب:”بيان الوهْم والإِيهام الواقعين في كتاب الأحكام” لابن القطان الفاسي” تحت إشراف : الدكتور محمد فاروق النبهان.
وممن أخذ عنه من المشايخ:
1 ـ الشيخ محمد الفتوح: تلقى عنه النحو بالأجرومية بالأزهري.
2 ـ أخوه الشيخ أحمد بن الصديق الغماري أبو الفيض : أخذ عنه صحيح البخاري كما لازم مجالسه في صحيح مسلم.
3 ـ أخوه الشيخ محمد الزمزمي : قرأ عليه الألفية بشرح ابن عقيل ، والفقه بتحفة الحكام ، و أصول الفقه بجمع الجوامع، والبلاغة بالجوهر المكنون، والأصول بكتاب الخضري .
4 ـ أخوه الشيخ عبد الحي: تلقى عنه المنطق .
5 ـ أخوه الشيخ الحسن: أخذ عنه الأجرومية في النحو بالأزهري .
6 ـ الشيخ محمد بوشْفَنْفَنْ: تلقى عنه الصرف ، ومختصر خليل في الفقه، والنحو بأزمور، و هذا الشيخ كان من ندماء الشيخ أحمد بن الصديق لما كان بأزمور ، وهو المقصود برسالته الهزلية “المعفن بشرح قصيدة أبي شفنفن” ولها قصة طريفة .
و أجازه أخوه أحمد و الشيخ عبد الحفيظ الفاسي.
المطلب السابع: وظائفه.
تقلد مترجمنا رحمه الله مناصب علمية مرموقة، حيث عُين أستاذا للحديث بدار الحديث الحسنية بالرباط، وتخرج عليه ثلة من العلماء والباحثين بالمغرب وخارجه، كما عين أستاذا للحديث أيضا بكلية أصول الدين بتطوان.
كما تولى خُطبة الجمعة بمسجد السوريين بطنجة أزيد من عشرين سنة، منذ تاريخ تأسيسه سنة 1974م، إلى أن توقف لظروف صحية في صيف 1996 م.
وشغل منصب رئيس المجلس العلمي بطنجة من أكتوبر سنة 1996م إلى أن توفي، وعضوية المجلس العلمي الأعلى.
وعُين عضوا باللجنة الملكية الاستشارية لإصلاح المدونة.
المطلب الثامن: مكانته، وثناء العلماء عليه.
قال في حقه وزير الأوقاف سابقا د. عبد الكبير العلوي المدغري:” الأستاذ الجليل، والبحاثة الكبير، والمحدث المتمكن، العالم الفقيه إبراهيم بن الصديق أحد العلماء خريجي دار الحديث الحسنية”.
وحلاَّه مدير دار الحديث الحسنية سابقا د. محمد فاروق النبهان قائلا:” ، فهو خير من يبحث في علم الحديث ، وهو حجة فيما يكتب… فهو سليل أسرة شريفة اشتهرت بمكانتها الدينية وبغيرتها على الإسلام كما اشتهرت بعلمائها، وبخاصة في علم الحديث “.
وقال أيضا:” وينتمي لأسرة علم ودين ودعوة، وهذه الأسرة هي أسرة الحديث في المغرب , ولها مركز اجتماعي وديني كبير في مدينة طنجة … وكنت عندما أحتاج لأمر في الحديث أستشيره فيه ، فقد كان حجة في هذا العلم …فقد كان عالماً صالحاً تقياً محدثاً ورعاً، وهو من أنجب من عرفتهم من أبناء الدار فى الحديث
وحلاه تلميذه د. توفيق الغلبزوري بقوله:” عرفته رحمه الله وقد أكرمني الله بصحبة هذا العالم المحدث الجليل بدماثة الأخلاق، وبلين الجانب، وبتواضع قل نظيره، وبروح الدعابة والمرح، وبالصبر على البلاء والرضابالقضاء”([14])، ووصفه أيضا بقوله: “أحد أعلام الحديث والسنة بالمغرب في أسرة توارث نبغاؤها هذا العلم الشريف خلفا عن سلف، فكان بحق الحلقة التي ربطت الجيل الحاضر من العلماء بالنبع الصافي للسنة النبوية المطهرة “.([15])
المطلب التاسع: أخلاقه.
تميز رحمه الله كما وصفه محبوه وطلبته بدماثة الأخلاق، وبلين الجانب، وبتواضع قل نظيره، وبروح الدعابة والمرح، وبالصبر على البلاء، والرضا بالقضاء والقدر حيث ابتلي رحمه الله بمرض عضال لازمه مدة طويلة، ومع ذلك كان صابرا محتسبا مواصلا لاعماله العلمية والدعوية إلى آخر يوم من حياته. ([16])
المطلب العاشر: وفاته.
توفي رحمه الله عشية يوم الخميس 8 صفر 1424 هـ، الموافق لـ 10 أبريل 2003م |