وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وأسأل الله أن يرزقنا حُسن الاتِّبَاع ، وأن يُرينا الحق حقا ويرزقنا اتِّبَاعه ، وأن يُرينا الباطل باطلا ويُعيننا على اجتنابه .
ما شَجَر بين الصحابة رضي الله عنهم يجب الإمساك عنه امتثالا لأمْرِه عليه الصلاة والسلام بِقوله: إذا ذُكِر أصحابي فأمْسِكُوا ، وإذا ذُكِرت النجوم فأمْسِكُوا ، وإذا ذُكِر القَدَر فأمْسِكُوا . رواه الطبراني في الكبير واللالكائي في الاعتقاد . وصححه الألباني .
وسبيل أهل العِلْم والإيمان الكفّ عَمَّا شَجَر بينهم ، ونقول كما قال الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله : تلك دماء طَهّر الله منها يدي فلا أُحِبّ أن أَخْضِب بها لِساني .
وبهذا القول قال الشافعي .
وأما مسألة الميراث ، فقد يخفى على الكبير مِن أهل العِلْم والفضل ما لا يخفْى على غيره ؛ فقد خَفِي على أبي بكر رضي الله عنه مسائل ، وخَفِي على عمر رضي الله عنه مسائل ..
وليس مِن شَرْط صاحِب الفضْل أن يَجْمَع العِلْم ، ولا أن لا يخفى عليه شيء .
ولا نقول كما تقول الرافضة ! حيث تَروي الرافضة غُلُوا وكَذِبا أن عليًّا رضي الله عنه قال : سَلُوني ، فإني أعرف بِطُرق السماء أكثر مِن طُرُق الأرض !
وقد حرِص أبو بكر على إنفاذ وصية النبي صلى الله عليه وسلم بل وعِدَاته عليه الصلاة والسلام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وَعَد جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، فقال : لو قَد جاء مال البحرين قد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا ، فلم يجئ مال البحرين حتى قُبض النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما جاء مال البحرين أمَرَ أبو بكر مُنَادِيا فَنادى : مَن كان له عند النبي صلى الله عليه وسلم عِدة أو دَين فليأتنا . قال جابر : فأتيته فقلت : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي كذا وكذا ، فَحَثى لي حَثية فَعَدَدْتها فإذا هي خمسمائة ، فقال : خُذ مثليها . رواه البخاري ومسلم .
فهذا مِن وفاء أبي بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم أن يُنفذ مُجرّد الوَعد ، وهذا مِن حسنات أبي بكر ، والرافضة تَعُدّه مِن مَساوئه !
والرافضة تقول : لماذا صدّق أبو بكر جابر فيما قال ، ولم يُصدق فاطمة رضي الله عنها ؟
والجواب :
أن جابر بن عبد الله يُخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَعَدَه ، ومِن وفاء أبي بكر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنْفَذ وَعْده صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله عنه .
وأما فاطمة فإنها لم تَقُل وَعَدني رسول الله صلى الله عليه وسلم . بل تُطالب بِحَقِّها مِن ميراث أبيها حيث فهمت أن لها الحق في ميراث أبيها ، فهي رضي الله عنها ما قالت : وَعَدني أبي صلى الله عليه وسلم .
فأبو بكر رضي الله عنه لم يُكذّب الزهراء رضي الله عنها ، وإنما أفهمها أن ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم صَدَقة بنصّ قولِه عليه الصلاة والسلام .
ويدل عليه ما رواه الترمذي عن فاطمة أنها جاءت إلى أبي بكر فقالت : مَن يَرثك ؟ قال : أهلي وولدي . قالت : فما لي لا أرث أبي ؟ فقال أبو بكر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا نُورَث . ولكني أَعُول مَن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوله ، وأُنْفِق على مَن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُنفِق عليه .
وحَرِص أبو بكر رضي الله عنه على استرضاء فاطمة رضي الله عنها ؛ لأنه رضي الله عنه كان يُحبّ النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته .
قال الإمام الذهبي رحمه الله :
ولَمَّا تُوفِّي أبوها تعلقت آمالها بميراثه ، وجاءت تطلب ذلك من أبي بكر الصديق ، فحدّثها أنه سمع مِن النبي يقول : لا نورث ما تركنا صدقة ، فَوَجَدَتْ عليه ، ثم تَعَلَّلت . اهـ .
وحدّث الشعبي قال : لَمَّا مَرِضت فاطمة أتى أبو بكر فاستأذن ، فقال عليٌّ : يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك ، فقالت : أتحبّ أن آذن له ؟ قال : نعم . فأذِنَتْ له ، فدخل عليها يترضّاها، وقال : والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلاَّ ابتغاء مرضاة الله ورسوله ومَرْضاتكم أهل البيت . قال : ثم ترضّاها حتى رَضِيت . رواه البيهقي في الكبرى وفي الاعتقاد .
روى الإمام البخاري في صحيحه أن فاطمة رضي الله عنها أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم تطلب صدقة النبي صلى الله عليه وسلم التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر . فقال أبو بكر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث . ما تركنا فهو صدقة . إنما يأكل آل محمد من هذا المال . يعني مال الله . ليس لهم أن يزيدوا على المأكل ، وإني والله لا أُغَيِّر شيئا مِن صدقات النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت عليها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأعْمَلَنّ فيها بما عَمِل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتشهد عليّ رضي الله عنه ، ثم قال : إنا قد عرفنا يا أبا بكر فضيلتك ، وذَكَرَ قرابتهم مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحَقهم ، فتكلم أبو بكر فقال : والذي نفسي بيده لَقَرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبّ إليّ أن أصِل من قرابتي .
وهذا ما شَهِد به أئمة آل البيت ووافقوا أبا بكر وعمر عليه .
وروى الإمام مسلم في صحيحه أن عُمر رضي الله عنه كان في مجلسه ، فاستأذن عليه عباس وعليّ رضي الله عنهما ، فأذن لهما فقال عباس : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا ، فقال القوم: أجل يا أمير المؤمنين ، فاقْضِ بينهم وأرِحْهم .
فقال عمر : اتئدا . أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث ما تركنا صدقة ؟
قالوا : نعم .
ثم أقبل على العباس وعلي فقال : أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث ما تركناه صدقة ؟
قالا : نعم .
فقال عمر : إن الله جَل وعَزّ كان خصّ رسوله صلى الله عليه وسلم بخاصة لم يخصص بها أحدا غيره . قال : (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) .
وأما ما يُذكر مِن الـنِّزاع بين عمر رضي الله عنه وبين عليّ رضي الله عنه ، فهو كذِب لا أصل له .
والثابت في دوواين السُّنة أن عليًّا رضي الله عنه زوَّج عُمَرَ رضي الله عنه ابنته أم كلثوم رضي الله عنه .
وهذا يُبطِل ما تزعمه الرافضة مِن وجود عداوة بين الصحابة وبين آل البيت رضي الله عنهم أجمعين .
ويُبطِل ما تزعمه الرافضة أيضا من اعتداء عمر رضي الله عنه على فاطمة رضي الله عنها ، ولا ما يُقال مِن اعتداء مولى عمر رضي الله عنه على فاطمة رضي الله عنها .
فهذا كلّه كذب وباطل .
وكان عليّ رضي الله عنه جليس الصحابة ومُستشار الخلفاء مِن قَبلِه .
ومِن الخذلان أن يشتغل الإنسان بِمثل هذه الأمور ، وهو لن يُسأل عما جرى بين الصحابة ، ولكنه سوف يُسأل عما يَدين الله به ، وسوف يُسأل عما يخوض فيه .
ونحن نعتقد أن الله عزّ وَجَلّ رضي عن الصحابة ، فمتى عَلِم الْمُتَكَلِّم فيهم أن الله سَخِط عليهم بعد أن رَضِي عنهم ؟
كان عُمر بن عبد العزيز يختلف إلى عبيد الله بن عبد الله يَسْمَع منه العِلْم ، فبلغ عبيد الله أن عُمر ينتقص عَلِيًّا ، فأقبل عليه فقال :
متى بلغك أن الله تعالى سَخِط على أهل بَدْر بعد أن رَضي عنهم ؟
فَعَرَف ما أراد ، فقال : مَعْذِرَة إلى الله وإليك ، لا أعُود . فما سُمِع عُمر بعدها ذاكِرًا عَلِيًّا رضي الله عنه إلاَّ بِخير .
وسبق :
يطعنون في الصحابة بسبب خلافة علي ومعاوية
http://almeshkat.net/vb/showthread.php?p=489246
تقول : إنها تَكْرَه مُعاوية ويزيد والزبير وطلحة ، وتُرِيد أدلّة تُثْبِت عدالة الصحابة
http://almeshkat.net/vb/showthread.php?t=94533
ما صِحة موضوع (منازل هارون عليه السلام المعطاة لأمير المؤمنين علِيّ بن أبي طالِب) ؟
http://almeshkat.net/vb/showthread.php?p=489249
إشكالية حول موقف بعض الصحابة مِن آل البيت
http://almeshkat.net/vb/showthread.php?t=73269
قصة التحكيم
http://almeshkat.net/vb/showthread.php?t=76889
أحببت أعرف أكثر عن معركة الجمل وصِفِّين
http://almeshkat.net/vb/showthread.php?t=40429
شبهة .. هل فعلا آل البيت أفضل من الصحابة ؟
http://almeshkat.net/vb/showthread.php?p=489252
سيرة سيدة نساء العالمين رضي الله عنها
http://saaid.net/Doat/assuhaim/151.htm
تسأل : إذا كان الصحابة يحبّون آل البيت فلماذا ظلموهم ؟
http://almeshkat.net/vb/showthread.php?t=73269
خصائص آل البيت رضي الله عنهم
http://almeshkat.net/vb/showthread.php?p=489251
والله تعالى أعلم .