وجزاك الله خيرا ، وبارك الله فيك .
الْمُسَامِح كَريم ، والنفوس الكِبار لا تَحْمِل الحقد .
وَلَنَا في رَسولنا صلى الله عليه وسلم أُسْوَة وقُدْوة ، فقد كان يَعفو ويُسَامِح مَن ظَلَمه .
وأَتَتْ يَهُودِيَّةً النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ ، فَأَكَلَ مِنْهَا ، فَجِيءَ بِهَا فَقِيلَ : أَلا نَقْتُلُهَا ؟ قَالَ : لا . رواه البخاري ومسلم .
وشَدّ أعرابيٌّ بُرْدَه حتى أثَّـر في عاتِقه ، ثم أغلظ له القول بأن قال له : يا محمد مُـرْ لي مِن مَالِ الله الذي عندك ! فالْتَفَت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضحك ثم أمَر له بِعطاء . كما في الصحيحين .
وفي صِفته صلى الله عليه وسلم في التوراة : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا ، وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي ، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ ، وَلا سَخَّابٍ بِالأَسْوَاقِ ، وَلا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ . رواه البخاري مِن قول عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما .
وأفضل الناس " مخموم القلب " سَليم الطَّويّة ؛ ومَن كان كذلك فهو مِن أهل الجنة .
قِيل لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أفضل ؟ قال : كُلّ مَخْمُوم القَلْب ، صَدوق اللسان . قالوا : صَدوق اللسان نَعْرِفُه ، فما مَخْمُوم القَلْب ؟ قال : هو الـتَّقِيّ الـنَّقِيّ ، لا إثم فيه ولا بَغْي ، ولا غِلّ ولا حَسَد . رواه ابن ماجه ، وصححه الألباني .
وقال عليه الصلاة والسلام : مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا ، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ . رواه مسلم .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) : الصَّبْرُ عِنْدَ الْغَضَبِ ، وَالْعَفْوُ عِنْدَ الإِسَاءَةِ ؛ فَإِذَا فَعَلُوهُ عَصَمَهُمْ اللَّهُ وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ .
وكما قال المقنّع الكندي :
فإن الذي بيني وبين عشيرتي = وبين بني عمي لمختلف جِدّا
إذا قدحوا لي نار حرب بزندهم = قَدَحْتُ لهم في كل مكرمة زندا
وإن أكلوا لحمي وَفَرْت لحومهم =وإن هدموا مجدي بَنيت لهم مجدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم = وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
وأعطيهم مالي إذا كنت واجِدا = وإن قلّ مالي لم أكلفهم رِفدا
وتارِك الحقد مُرتاح !
لَمَّا عَفَوت ولم أحْقِد على أحد = أرَحْتُ قلبي مِن غَمّ العداواتِ
إني أُحَيي عَدوي عند رؤيته = لأدفع الشَّـرَّ عَنِّي بِالـتَّحِيَّاتِ
وأظهر البِشْر للإنسان أبْغِضه = كأنما قد حَشَا قلبي مَحَبَّاتِ
ورَحِم الله الأئمة أصحاب النفوس الكِبار التي تعفو وتصْفَح .
كان أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه يُنْفِق على مِسْطَح لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَلِفَقْرِهِ ، فَلَمَّا خَاضَ مسْطح في عِرْض عائشة رضي الله عنها ، حَلَف أبو بكر أَنْ لاَ يَنْفَعَ مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ أَبَدًا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ) إِلَى آخِرِ الآيَةِ ، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ (وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ) ، يَعْنِي مِسْطَحًا - إِلَى قَوْلِهِ : (أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ : بَلَى وَاللَّهِ يَا رَبَّنَا إِنَّا لَنُحِبُّ أَنْ تَغْفِرَ لَنَا . وَعَادَ لَهُ بِمَا كَانَ يَصْنَعُ . رواه البخاري ومسلم .
قَالَ صَالِح بن الإمام أحمد بن حنبل : دَخَلْتُ عَلَى أَبِي يَوْمًا فَقُلْتُ : بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلا جَاءَ إلَى فَضْلٍ الأَنْمَاطِيِّ فَقَالَ لَهُ : اجْعَلْنِي فِي حِلٍّ إذَا لَمْ أَقُمْ بِنُصْرَتِكَ ، فَقَالَ فَضْلٌ : لا جَعَلْتُ أَحَدًا فِي حِلٍّ . فَتَبَسَّمَ أَبِي وَسَكَتَ ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ قَالَ لِي : مَرَرْتُ بِهَذِهِ الآيَةِ : (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) ، فَنَظَرْتُ فِي تَفْسِيرِهَا فَإِذَا هُوَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنِي الْمُبَارَكُ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ الْحَسَنَ يَقُولُ : إذَا جَثَتْ الأُمَمُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنُودُوا : لِيَقُمْ مَنْ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَلا يَقُومُ إلاَّ مَنْ عَفَا فِي الدُّنْيَا . قَالَ أَبِي : فَجَعَلْتُ الْمَيِّتَ فِي حِلٍّ مِنْ ضَرْبِهِ إيَّايَ ، ثُمَّ جَعَلَ يَقُولُ : وَمَا عَلَى رَجُلٍ أَنْ لا يُعَذِّبَ اللَّهُ تَعَالَى بِسَبَبِهِ أَحَدًا .
قال ابن مُفْلِح : وَرَوَى الْخَلاَّلُ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ : أَفْضَلُ أَخْلاقِ الْمُؤْمِنِ الْعَفْوُ .
ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية إذ كان يدعو لِخُصُومِه ولا يَدعو عليهم !
قال ابن القيم رحمه الله : وجئت يوما مُبَشِّرًا له بِمَوت أكبر أعدائه وأشدّهم عداوة وأذى له ، فَنَهَرني وتَنَكّر لي واسترجع ، ثم قام مِن فَوره إلى بيت أهله فَعَزَّاهُم ، وقال : إني لكم مكانه ، ولا يكون لكم أمْر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلاَّ وسَاعَدتكم فيه ، ونحو هذا مِن الكلام ، فَسُرُّوا به ، ودَعوا له ، وعَظّموا هذه الحال منه . فَرَحِمَه الله ورضي عنه . اهـ .
وليس بين الإنسان وبين التخلُّق بمثل هذه الأخلاق إلاّ أن يُعوِّد نفسه على ذلك ، ويَتَنَاسَى إساءات الآخَرِين .
قال عليه الصلاة والسلام : إنما العِلْم بالتَّعَلُّم ، وإنما الْحِلْم بالتَّحَلّم . مَن يَتَحَرّ الخير يُعْطَه ، ومَن يَتَّقّ الشَّرَّ يُوقَه . رواه الطبراني في الأوسط ، وصححه الألباني .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : مَن اعتاد الانتقام ولم يصبر لا بُدّ أن يقع في الظُّلْم ، فإن النفس لا تقتصر على قَدر العدل الواجب لها ، لا عِلْما ولا إرادة ، وربما عَجِزَت عن الاقتصار على قدر الحق ، فإن الغضب يَخرج بصاحبه إلى حدّ لا يَعقل ما يقول ويفعل ، فبينما هو مظلوم ينتظر النصر والعز ، إذ انقلب ظالما ينتظر الْمَقْتَ والعقوبة .
وسبق :
فضل أعدائي عليّ !
http://almeshkat.net/vb/showthread.php?threadid=18215
وهُـنا
هل عفْوي عمّن ظلمني سبب لتفريج همومي ؟
http://www.almeshkat.net/fatwa/1966
ماذا أفعل ليصفو قلبي ؟
http://almeshkat.net/vb/showthread.php?p=199992